Thursday 5 June 2014

20 جنيه يا الشنبلي

20 جنيه يا الشنبلي !

التنمية في كل الدنيا مربوطة بالتعليم. لم نسمع أن دولة منهارة التعليم قد تقدمت الدول في أي شئ ولا حتى سباق الضاحية. فبالعلم تُبنى الأوطان. وقد قال الشاعر: العلم يرفع بيتاً لا عماد له  والجهل يهدم بيت العز والشرف. وكلمة البيت يمكن أن تنطبق على الدول والأسر والقبائل وهلم جرا. أقرب مثال لنا هو ماليزيا التي سبقتنا بسنين عددا لا أظن أن في مقدورنا اللحاق بما حققته من تقدم بسبب التعليم. كانت كل دول جنوب شرق آسيا بما فيها الصين وكوريا الجنوبية تلهث خلال ستينيات القرن الماضي لللحاق بالسودان المتطوِّر آنذاك.  أما ماليزيا فقصتها أعجب حتى قبل عشرين عاماً كانت خلفنا بمراحل من التطوّر الذي سبقناها عليه.

توقفنا حيث كنا خاصة خلال ربع القرن الماضي وهي فترة حكم الإنقاذ. وتقدمت الدول التي كانت تتمنى اللحاق بنا وأن تكون مثلنا. سبقتنا تلك الدول لأنها وظفت إمكاناتها للتعليم. إستثمرت في الإنسان. والإستثمار في الإنسان هو الطريق الصحيح والقصير نحو التقدم والإزدهار وتحقيق الأهداف. فميزانية ماليزيا للتعليم كانت أضعاف ميزانية الأمن والقوات المسلحة والشرطة. وعندنا صار العكس. لا تقولوا الحرب في الجنوب. هذه حيطة قصيرة وقصة سئمنا سماعها من لدُن حكومة الأزهري الأولى وحتى اليوم. وحتى في السنين التي كانت فيها هدنة أو سمِّها سلام كما يقولوان لم تستثمر الحكومات السودانية في التعليم، كما حدث بعد إتفاقية أديس أبابا بين النميري وأنانيا 1 وإتفاقية نيفاشا بين الحركة والإنقاذ.

وحتى بعد استخراج البترول وتصديره لم يتم الإلتفات للتعليم وتطويره بالإستثمار فيه بدرجة تضمن تقدم الدولة. وذهبت كل مداخيل البترول إلى حيث لا يعلم إلا الله والذين صرفوها أو تصرفوا فيها. وهكذا كأننا يا عمرو لا رحنا ولا جينا ولم نستفد شيئاً من إكتشاف البترول الذي صار هو القشة التي قصمت ظهر الوطن الواحد وصار وطنين. كان نصيب الجنوب من البترول 50% قبل الإنفصال، فهل تجدون سبباً واحداً للجنوبيين يختارون بموجبه الوحدة مع الشمال في حين أن الإنفصال سيعطيهم كل البترول بنسبة 100%؟

مع سبق الإصرار والترصُّد أصاب وزير التربية والتعليم الدكتور محي الدين صابر التعليم في مقتل. ففي عهده تم إدخال السلم التعليمي الجديد 6/3/3 بدلاً عن السلم الإستعماري 4/4/4. تمّ جلب الكُتب التي تخلّص منها المصريون لتحل محل الكتب التي تركها معلمو بخت الرضا والدلنج وشندي. الكتب والمقررات التي كانت تُمحّص وتُصفى لتصل مادة دسمة للتلميذ في المراحل الثلاثة. لهذا كان خريج المدرسة الوسطى يتحدث الإنجليزية ويكتب موضوع إنشاء باللغة الإنجليزية. هل تجد خريج كلية آداب لغة إنجليزية يمكنه كتابة موضوع إنشاء باللغة الإنجليزية؟ تجربتي مع خريجين كثيرين غير مُفرحِة بل مُحبِطة.

لم يقف التعليم وإدارته المتعاقبة عند المقررات والكتب والمعينات، بل وضعت تدريب المعلمين كحجر الأساس في التعليم. وكانت معاهد التربية في كل من بخت الرضا قائدة المعاهد وشندي والدلنج وكليات المعلمات في كل من نيالا ومدني والأبيض وأم درمان تهتم بتدريب المعلم ليكون هو ساس وراس العملية التربوية التي ستبني الوطن؟ هل هنالك من يقول لي من يقوم بتدريب المعلمين الآن؟ لا يوجد. كان التفتيش على المدارس والمعلمين يتم بصورة دورية بواسطة المفتشين والضباط المسؤولون عن المدارس في مناطقهم.

إنعدم الكتاب المدرسي وأختفت المعينات التعليمية. أغلقت الداخليات في دولة 40% من سكانها رعاة. متجولون في رحلتي الشتاء والصيف بحثاً عن الكلأ والماء لحيواناتهم وبالتالي لا مكان لتعليم أولادهم طالما لا توجد مدارس بها داخليات تستوعب التلاميذ. هرب المعلمون من المهنة التي صارت لا تقيم وأداً بعد أن كانت أفضل المهن في زمن سالف. حتى غنّت على المعلم المغنيات الشعبيات: (يا الماشي لباريس .. جيب لي معاك عريس.. شرطاً يكون لبِّيس من هيئة التدريس). اليوم مرتب المعلم لا يكفيه أسبوعاً إن لم نقل 3 ايام حسوما. فليس هنالك جاذب للعمل في مهنة لا طائل من ورائها.

بناء المدارس وتأثيثها ليس من مهام المعلمين ولا المواطنين. فالمواطن الذي يدفع كل الضرائب والجبايات التي تفرضها الحكومة يريد بل يجب أن يجد عائداً مما يدفع. فالخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والعلاج هي من أساسيات بل أبجديات ما يستحقه المواطن على ما دفع. أما المعلم فيجب أن يجد فصلاً مؤسساً ومؤثثاً وبه تلاميذ. يجب أن يجد كل الكتب والمعينات المدرسية وبعد ذلك يُحاسب على أدائه الذي ينبغي أن يكون بدرجة كبيرة من الكمال. لكن أن تطلب يا الشنبلي من المعلمين بناء المدارس وهو عملك وحكومتك فهو الظلم بعينه ويعني أنك لا تفكر في تطوير إنسان ولايتك طالما أنت جالس على كرسيك. ولكن نقول لك: (أخوك كان زيّنوه إنت بِل راسك). وشايف عندك أخوان كثيرين تمّت زيانتهم فأعمل حسابك. (العوج راي والعديل راي).

كباشي النور الصافي
قناتي في اليوتيوب:


No comments:

Post a Comment