Wednesday 17 September 2014

بل فرّ جمع الطاغية

بل فرّ جمع الطاغية

عدم المعرفة ليس عيباً، فلا يعرف كل شئ إلا الله. ولكن عندما يصدر الجهل مِن مَن تتوقع من المعرفة هنا تكون الخيبة أكبر. ضابط تخرّج في الكلية الحربية السودانية ولا يعرف تفاصيل معركة كرري ماذا تقول عنه؟ ألم تكن معركة كرري التي انهزمت فيها جيوش المهدية معركة كل السودانيين؟ لو قلنا أن حرب كرري نفسها لم تُدرّس في الكلية الحربية لأسباب نعرفها جيداً فما يمنع الضباط من قراءة الكتب التي كتبت عن تلك الحروب التي كانت غرة في جبهة السودان؟ ألم تكن معركة شيكان نصراً مؤزراً للجندي السوداني الذي يحمل اسلحة بسيطة مقارنة بترسانة أسلحة جيش الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس حينها؟ ألم يسمع أولئك الضباط المتجاهلون للحقيقة لترسبات في عقول بعض بعضهم بهجمة فرسان البقارة التي كانت لوقت قريب تُدرّس في كلية سانت هيرست العسكرية ببريطانيا.

ألم يقرأ الذين يتحدثون عن معركة كرري كتاب الرائد طيار عصمت زلفو عليه الرحمة عن المعركة. ألم يقرأوا كتاب حرب النهر للملازم ونستون شيرشل، مراسل صحيفة التايمز اللندنية آنذاك وأعظم من جلس على كرسي رئاسة الوزارة البريطانية قبل وبعد الحرب الكونية الثانية؟ قال شيرشل: "تلك عظمة الرجولة.. كانوا أشجع ممن مشى على الأرض، دُمِروا ولم يُقهروا بقوة الآلة.." كتاب كرري ص 441. ألا تعتبر شهادته عن شجاعة الانصار شهادة عدو يعتز بها؟ ألم يقرأوا في كتابه عن كيف كان لمخابرات ونجت باشا الفضل في زعزعة دفاعات الانصار قبل مدفع المكسيم؟ للنفاق أبواب وأبواق كثيرة خاصة أولئك الذين تركهم الخونة كأحفاد لهم ما زالوا يجترون خذلان أسلافهم الخونة لجيش الوطن بالتخذيل وتسمية الأشياء بغير مسمياتها.

هو عيب ألا تقرأ تاريخ بلادك بتفصيل ممل ولكن عيب اكثر منه أن تقطع من رأسك وتقول وتفسِّر ما لا تعرف. هذا يقودنا لعنوان المقال. هو مقطع من أغنية رددها الفنان محمد وردي. وكثيرون من جهلة تاريخ معركة كرري التفصيلي أخذوا أول الآية (وفنجطوا) بها متهمين الشاعر والفنان بتزوير التاريخ! الشاعر رسم لوحة حقيقية حدثت في حرب كرري ولكن الجهلاء لا يعرفونها وبالتالي يتهم الجهلة العارفين بالكذب وهو أمرّ إتهام من جاهل لعارف. فكونك لا تعرف ولا تعلم لا يعطيك الحق أن تصف غيرك بصفة بغيضة لا تقبلها لنفسك. فوصف الشاعر والمغني بالكذب وبالمشاركة في تزوير التاريخ جهل وتنطع ما بعده تنطع.

على من يجهل تاريخ المهدية وخاصة معركة كرري ومن قبلها شيكان أن يقرأ التاريخ خاصة كتابي المرحوم رائد طيار عصمت زلفو عن المعركتين. ولو تكرم على نفسه وقرأ مجاهدات عثمان دقنة أمير الشرق .. وخطط الأمير إبراهيم الخليل البيقاوي لعرف ما يجهل ولما اتهم الشاعر والفنان بتزوير التاريخ بذكر كلمات حق في حق الرجال الذين فدوا الوطن بأرواحهم وروا ترابه بدمائهم الطاهرة الذكية. والتفصيل الذي أورده عصمت زلفو في كتابه كرري في الصفحات 486-494 والتي تؤكد أن رجال الأمير عثمان دقنة قد هزمت قوات الكولونيل مارتن الذي فرّ غرباً بعد جولة فاشلة أمام قوات أمير الشرق. أما تعبير النهر يطفح بالدماء الزاكية فالمقصود خور شمبات الذي استخدمه الشاعر مجازاً كالنهر فهو أحد روافد النيل الغربية. فتفاصيل معركة قوات الهدندوة بالسيوف والسكاكين تؤكد فعلاً أنهم خاضوا لهيب قوات كولونيل مارتن وشتتوا قواته وفرّ هو نفسه غرباً. تعلموا واقرأوا ولا تتنطعوا أيها المتحذلقون.
                                                                                                                      
ولولا وجود المتخاذلين من عملاء مخابرات ونجت باشا ضمن مجلس الخليفة الحربي وقد نقلوا مقترحات ونجت للخليفة في صورة يعلمون مدى تأثيرها عليه لما أنتصر كتشنر. وأهم مقترحات أولئك الخونة هو اختيارهم لميدان المعركة بتوصية واقتراح من ونجت. ولقد أورد شيرشل في كتابه حرب النهر قائلا: "الله وحده يعلم ماذا ستكون حال الجيش الغازي لو لم تنزع المدافع التي بنيت طابياتها داخل النهر عند شلال السبلوقة؟" . إنه تاريخ أجدادنا الشرفاء من السودانيين لن نترك لمتنطعين جهلة أن يعبثوا به.
(العوج راي والعديل راي).

كباشي النور الصافي
زر قناتي في اليوتيوب من فضلك واشترك فيها

No comments:

Post a Comment